الرئيسية » » العلاج بالمسرح

العلاج بالمسرح

بقلم Unknown الجمعة، 10 يناير 2014 | 3:55:00 ص

مسرح 10

المسرح هو أبو الفنون، فهو يجمع بين تذوق وممارسة مجموعة من الفنون الإنسانية كالموسيقى والشعر، وتبادل المشاعر الإنسانية بين المؤدين والمتلقين للعرض المسرحي، والذي يُكوِن في مجمله تناغما إنسانيا بين كل الأطراف ممن يشتركون في العمل حتى أصحاب المهن الغير فنية كالعمال والمساعدين.

لقد مرت على مصر عصور طويلة مريرة، أرادت فيها الأنظمة المتعاقبة حتى يستتب الأمر لها، فصبغت المجتمع كله بصبغة واحدة حتى يسهل قياده، ولأن النظم الفاشية تسعى دائما لخنق الحريات لأن للأحرار أصوات تزعج الفاشية جدا، وتتساوى الأنظمة الفاشية سواء كانت عسكرية أو دينية.

في مدارسنا الأساسية في حقبة الخمسينات وحتى السبعينات من القرن الماضي كانت هناك فصولا للأنشطة، كفصول الموسيقى وفصول التدبير المنزلي، وكذلك فصول الزراعة، وكانت بعض المدارس تحتوي على مسرحا صغيرا تُقدم عليه عروضا مسرحية يمثلها الطلبة بأنفسهم، وكان يقوم على هذا النشاط معلم متخصص، أمّا الآن فلقد اختفت هذه الأنشطة تماما واقتصر وجدود النشاط المسرحي على بعض الجامعات وانتهى تماما من المدارس بجميع مراحلها.

ولننظر بعين المتأمل ماذا حدث نتيجة سياسة الإهمال تلك؟

لقد تم تجريف الفنون والمهارات الإنسانية المتميزة التي كانت تظهرها روح التنافس بين التلاميذ، وتخرجت أجيال يسهل توجيهها نحو الأفكار المتطرفة، وتطور الفكر المتطرف إلى عنف وإرهاب، ولم يجد هذا الفكر معادل يضبط الأمور والمفاهيم في هذه العقول الشابة فأصبحت الظاهرة جلية في أواخر السبعينات وخلال عقدين من الزمان بعدها، وتكلفت الدولة ملايين الجنيهات لملاحقة هؤلاء الإرهابين، ثم توارى الإرهاب لسنوات خلف القضبان ولكن لم يختفي السبب وراء ظهوره، ولم يتم تجفيف المنابع الفكرية حتى يتم استئصاله تماما، وآثر بعضهم أن يراجع فكره حتى يخرج من سجنه ويعود مرة أخرى ليندمج في المجتمع السوي مرة أخرى، فاختفى الإرهاب إلى حين.

وعندما وصل رعاة هذا الفكر لقمة السلطة في مصر كان كل همه هو طمس ما تبقى من مقومات ثقافة هذه الأمة، ولكن الأمة كانت قد اكتسبت ثقافات جديدة تضاف إلى مخزونها الحضاري بمساعدة وسائل التكنولوجيا الحديثة وسهولة الوصول إلى المعلومات، فتعذر على هذا النظام محاصرة الثقافة والنيل من حضارة هذه الأمة التي لا يعترفون بها ولا ينتمون إليها.

إن هذا الفكر المتطرف فكر لقيط، لا يجد من يدافع عنه، حتى أصحابه يتخلون عنه عند أول مواجهة مع القانون.

دعونا نتساءل كيف يكون المسرح علاجا لمحاصرة هذه الأفكار الرجعية الهدامة؟

هل يمكن أن يكون المسرح علاجاً نفسياً للخروج من هذا المأزق الفكري الذي يهدد أمن المجتمع السوي؟ هل يمكنه أن يحاصر هذا الفكر ويحجمه، الإجابة بالطبع يمكنه أن يكون كذلك ويكون جزء من الحل وليس بالطبع كل الحل، خاصة لو بدأ من مراحل التعليم الأولى.

لقد أنفقت الدولة ملايين الجنيهات لحرب الإرهاب، فلو أنها أنفقت جزء من هذه الأموال لتطوير التعليم وتحسينه بعودة فصول المهارات والمسرح المدرسي، نعم يمكننا أن نخرج جيلا مميزا علميا بالاهتمام بالوسائل الحديثة والمناهج العلمية الحديثة، ولكنه سيكون جيلا يفتقر للمشاعر والأحاسيس التي يرسخها ممارسة الفنون بشكل عام.

إن الطفل الذي يمارس التمثيل يتقمص شخصية أخرى غير شخصيته، وهو عندما يتقمص مثلا شخصية شريرة فإن نوازع الخير الفطري فيه تتحرك لترفض صفات الشخصية فتترك داخل نفسه هذا الرفض للشر، ودون توجيه مباشر بمعنى الشر والخير فإن تقمص الطفل لهذه الشخصية تؤصل داخله كرهه للشر استجابة للفطرة الإنسانية السليمة، وعندما يتقمص شخصية خيرة تتماهى قيمها مع الفطرة الصحيحة فترسخ قيم الخير والحق داخله فيجد هذا المخزون النفسي عند مواجهته للحياة في مستقبله القريب والبعيد.

وليس الممثل فقط هو المستفيد من هذه التجربة ولكن المتلقي أيضا يصيبه جزء من هذا التناغم الإنساني، وكلما كانت الممثل صادقا وأمينا في توصيل مشاعره لكانت الفائدة أقوى وأعمق.

الخلاصة والتي يمكن أن تكون جزء من حل أشمل وأعم، هو الاهتمام بالفنون وعلى رأسها المسرح وكذلك الحرف اليدوية والتي تتيح للعقول أن تنمو بشكل صحيح في إطار من التناغم مع الفطرة الإنسانية السليمة، وتكون هذه الخطوة خطوة فارقة في طريق المستقبل المأمول لهذا الوطن العزيز الذي نتمنى له الرفعة والمجد وتسيد العالم بالعلم والفكر الراقي وبعيدا عن التشدد والأفكار السوداء التي تجر الأمم إلى قاع العالم مهزومة متخلفة تتداعى عليها الأمم بتقصيرها في حق مواطنيها.

القاهرة في 16/8/2013

شاهد تعليقات: أو

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

Copyright © 2016. بقلمي -جميع الحقوق محفوظة