الرئيسية » » الإخراج المسرحي

الإخراج المسرحي

بقلم Unknown السبت، 21 مايو 2016 | 6:26:00 م

 

%255BUNSET%255D

الإخراج المسرحي تطور من مجرد نسق متكامل من المعلومات إلى نسق يفيض بالإبداع والخلق الذي يرتبط ارتباطا وثيقاً بمتغيرات المجتمع.

فالمخرج عند اليكسى بوبوف هو " الساحر الخفي عن المتفرج الذي يملك بيده خيوط ماكينة المسرح المعقدة (كلها ذلك المطلق للإرادة الإبداعية الخلاقة عند جميع فناني المسرح) ثم هو كذلك الفنان الذي يعطى العرض المسرحي كله طابعه ولونه ونغمته الخاصة

التاريخ:

ترجع لفظة مخرج من الناحية التاريخية إلي النصف الثاني من القرن التاسع عشر وإن وجد دائما من يتولى القيام بأعباء بعض الوظائف التنفيذية المعينة ففي اليونان القديمة كان هذا الشخص في أغلب الأحيان هو المؤلف وفي إنجلترا أو أبرز ممثلي الفرقة إلا أن فكرة المخرج هي في الواقع وليدة التطور في القرن العشرين.

التأريخ:

الإخراج المسرحي قبل عام 1850ميلادية لم يكن يعدو أن يكون ضرباً من المعلومات ولقد عرف المخرج الإغريقي في أول عهده باسم دايدا سكالوس أي (المعلم المنوط) بتوصيل المعلومات إلي الممثلين والكورال والراقصين.

من اشهر نماذج مخرجي ما قبل ظهور فن الاخراج

سوفوكليس ومسرحه ابوللو وشكسبير ومسرحه الجلوب وموليير ومسرحه القصر الملكي وجوته ومسرحه فايمر وغيرهم من الفنانين.

ظهور المخرج:

لم يتبلور الدور الحيوي والرائد للمخرج إلا في أواخر القرن التاسع عشر حينما بدأ العاملون في الحقل المسرحي يدركون ضرورة الاعتماد علي شخص يستطيع أن يمسك بيديه خيوط العرض المسرحي وبالتالي يمكنه منح هذا العرض عناصر التناغم والتناسب والوحدة ومساعدة كل فنان مشترك فيه علي إخراج أفضل ما عنده من إبداعات وإضافات ولم يقتصر الأمر علي الإعتراف بهذه الحقيقة الجوهرية بل أمتد ليشمل نظريات وضعها كبار المخرجين لتقنينها من خلال الدراسات المستفيضة والممارسات المتجددة والتجارب الطليعية إذ كان يقوم بدور المخرج في البدايات الأولي للمسرح المؤلف المسرحي لسيادة النص المسرحي علي كل العناصر المكونة للعرض المسرحي

ينبغي الإشارة إلي " أن البراعم الأولي للمخرج الحديث لاشك ترتد إلي أولئك الرجال الذين أداروا مؤسسات مسرحية في لندن وأوربا في القرنين السابع عشر والثامن عشر وقد تميزت عروضهم المسرحية "بإسلوب تقليدي موحد في الديكور والملابس وكافة معطيات العرض دون أن تكون لها فلسفة أو خطوط محددة الهدف الفني فقد جمعتهم الأصالة والدقة التاريخية في كافة مظاهر العرض

ولقد كان التطور الحقيقي للمخرج في دوقية ساكس ميننجن بالقرب من فايمر حاليا علي يد جورج الثاني 1826-1914 دوق المقاطعة الذي هام بالمسرح ومن أهم منجزاته إلغاء فكرة الممثل البطل (النجم المتفرد) وألهمت أفكاره بعد ذلك اندريه انطوان في فرنسا وستانسلافسكي في روسيا ونجد أن الواقعية التاريخية التي أسسها وطورها دوق مقاطعة آل ميننجن قد رسمت الطريق لاندريه انطوان نحو مسرحه الطبيعي متجاوراً مع الصدق التاريخي إلي صدق أكثر التحاما بالحقيقة فقد ذاعت طريقة انطوان في أوربا فدفعت الكثير من المخرجيين لتكوين مسارحهم الحرة وظهر ابسن وسترندبرج وهاويتمان وجوجول.

ولابد لنا أن نحدد فاصلاً واضحاً للفترة التاريخية التي ظهر فيها المخرج ويتلخص ذلك في مرحلتين:

1- المرحلة الاولي : من الدور الرئيسي والمنظم (للريس او الرئيس) في (مسرح خيال الظل) عند العرب والذي تقع فترته التاريخية بين القرن السابع الهجري إلي القرن الرابع عشر الهجري.

2- المرحلة الثانية : المرحلة التي تقع بين الربع الأخير للقرن التاسع عشر الميلادي فقد تغييرت الأشياء والعلاقات في هذه الفترة التاريخية المحدودة وتناولت تلك التغييرات العاصفة مفهوم المسرح نفسه.

ولقد أرخ الفرنسيون لمهنة الإخراج في 30 مارس 1886م ففي هذا اليوم بالذات " جري العرض الأول في المسرح الحر لأنطوان ويعتبر هذا العرض نقطة تحول في تاريخ الإخراج المسرحي وإرساء أسسه علي قاعدة علمية تعتمد علي البحث عن دلالات أخري لما وراء الكلمة والفعل وعدم الاكتفاء بالمعني المباشر

ولقد عبر أنطوان عن اتجاهات الإخراج في إنه : هناك أتجاهان متعاصران في عمل المخرج أتجاه تشكيلي (مناظر ، إنارة ، اثاث،...) والاتجاه الداخلي الذي لا يزال مجهولاً وهو في الواقع فن الكشف عن الأعماق الدفينة للنص المسرحي.

دور المخرج في المسرح:

تختلف العديد من الآراء المهتمة بشئون الفن التشخيصي والمتخصصة فيه عن أهمية دور المخرج فيعتقد البعض بأن دوره يأتي بالدرجة الثانية بعد أهمية الممثل بالعملية الإبداعية لذا يتطلب الانتباه الكبير لهذا الدور مع دراسة المهام والواجبات التي يضطلع بها من خلال تجزئة العمل الإخراجي في ثلاثة مراحل ملخصة:

1- تمرين الممثلين وإعدادهم فنياً (نفسياً وبدنياً) بمستوي يؤهلهم فيه للعب مختلف الأدوار المسرحية.

2- العمل مع الكاتب المسرحي.

3- العمل مع الرسام لإبراز الشخصية الحقيقة للمسرحية التي تكشف عن الرؤية الاجتماعية والفلسفية للنص المسرحي.

إن دور عمل المخرج يبدأ من العلاقة القوية مع القسم الفني في المسرح ومن طبيعة تنظيم منهج المسرح الفصلي والسنوي ودوره في إنجاحه وقيادته ومتابعة العمل لإنجاح العرض المسرحي للفرقة ومتابعة أعمال ورش العمل المنفذة للمناظر المسرحية والإنارة والتنكر والأزياء ويصل المخرج إلي ذروة عمله حين يستطيع تنظيم وتفجير الإبداع في المسرحية نفسها كي يري الجمهور في النهاية التجسيد الخلاق والمبدع للفكرة المستترة في سطور المسرحية وفي تفجير روح النص

من مدارس الإخراج :

1- الطبيعية

2- الواقعية

الطبيعية :

من بين الأساليب المطروحة يتميز الأسلوب الطبيعي بأنه أكثرها ذاتية، وهذا الأسلوب أصيل مع الانسان في مجالي التحليل النفسي وسيكولوجية العقل الباطن وهذا من ناحية الممثل.

أما الجمهور الواقع في دائرة الوعي فله دوره الذي يملي عليه ضرورة التفكير حيال الخلجات الداخلية للشخصيات تلك الشخصيات التي تثير قدرًا كبيراً من الاهتمام.

إننا كمجهور نفكر ونشعر بهذه الشخصيات ولكن ليس بما تقول وبما تفعل.

عنصر الصراع في الطبيعية يحتوي علي نوع هام من البحث في الداخل وإذا قمنا بالتفكير في الصراع فإنما نفكر وكأنه يتكون من سلسلة من المقابلات والأضداد ومهما يكن فالأضداد في الطبيعية مراوغة ومتهربة.

ففي مسرحية بستان الكرز لتشيكوف لا تحاول شخصية ما مواجهة مشكلتها الحقيقية فالشخصيات تتحدث ولا تنصت أحداها للأخرى وكل شخصية تعيش عالمها الصغير.

في الطبيعية يتمثل عنصر الديالوج أو الحوار بشكل فعال في فضح الشخصيات وفي تأسيس الجو النفسي أكثر من غيره من العناصر الدرامية الأخرى فاللغة دارجة وعامية وتبدو كأنها تخرج من أفواه وعقول أصحابها تلقائية. فيبدو طبيعيا دون ان نلحظ فيه أثراً من أثار الاختيار او التمحيص.

لقد اكتشف ستانسلافسكي ان حشو المسرح بالتفاصيل ليس الطريق المؤثر لخلق جو طبيعي فالمناظر يجب ان تكون ذات ابعاد كما يجب أن يظهر فيها الإحساس بالكتلة والشكل والألوان التي توحي بالجو كما يجب أن تنقل روح العمل أكثر مما تنقل طبيعة الحياة.

وفيما يتعلق بتخطيط الحركة لمسرحية طبيعية علي المخرج أن يعي في ذهنه أن تكون حركة الممثلين شبيهه بحركتهم في حياتهم العادية وأن البروسنيم أو أطار المسرح هو بمثابة الجدار الرابع الذي أذا وقعت عين النظارة عليه فأنهم يشاهدون ما يحدث صحيح إن الحركة لابد ان تبدو كأنها حركة عارضة ولكن خلفها بالتأكيد باعث محدد.

الإسلوب الطبيعي بقدر ما يتطلب باعثاً داخلياً فهو يتطلب باعثاً خارجياً.

التكوين في الطبيعية هي نفس أحكام التكوين بالنسبة للأساليب الأخرى ولو أن عنصر التكوين في الطبيعية يمكن ملاحظتها بنوع من الانحراف ، إن التسكين بالأوضاع وعلاقته بالديكور معناه بالطبع علاقته أيضا بالممثلين بعضهم ببعض ويجب أن يظهر الممثلون في البيئة وكأنهم يحيون حياة طبيعية وبمنأى عن الجمهور.

وفي المسرحية الطبيعية نلاحظ ظاهرة استدارة الممثلين وثباتهم علي المسرح وظهورهم في مواجهة الجمهور وحتي في التشكيلات يجب أن تبدو كأنها من فعل الصدفة.

إن تصميم التشكيلات يجب أن يكون مرناً بدلاً من اللجوء إلي التوازن والتماثل كذلك يجب أن يكون أداء الممثلين كما لو لم يكن هناك توجيه من مخرج أو مايسترو.

لما كانت الطبيعية هي نتاج الإنسانية والسيكولوجية فإنها بالتالي تتطلب اقترابا اجتماعياً سيكولوجياً.

اننا في هذا الأسلوب نقدم الإنسانية المتعلقة بالبشر وفي مواقف عادية الانسان هو الجار والغريب والصديق أو العدو وقد يكون البطل في الطبيعية هو الرئيس وقد يكون سباكا او بائعا جائلاً ومهما كانت كنيته فنحن نطلب من الطبيعية أن تحدد لنا البواعث التي تحركه.

ان المناظر في الطبيعية لابد ان تتوافر فيها الأبعاد الثلاثة المنظورية حتي تحتوي علي جوهر واقعيتها في كل جزئية منها.

من أهم رواد هذا الاتجاه اندريه انطوان (1858 – 1943) ولقد جاءت طبيعة أنطوان ملائمة لعصره ذلك العصر الذي عاش فيه "دارون – فرويد – نيتشه " بنظرياتهم المعروفة في مجال العلم .

الواقعية :

نظرا لان حد التقسيم بين اسلوبي الطبيعية والواقعية يبدو رقيقاً في غالب الأحيان فان التمييز بين الاسلوبين لا يبدو سهلا دائما خاصة في نفس المسرحيات الواقعية تستعير بالضرورة المعالجة الطبيعية والعكس صحيح.

ان الواقعية تبتعد عن الحياة عنها في الطبيعية ذلك ان اهتماما طفيفا يتمثل في الإنتقال من الشخصية إلي القصة ومن الجو إلي الصراع وفي معظم المسرحيات واقعية الأسلوب تحظي العقدة فيها بنصيب ملحوظ في نسيج الدراما وكذلك الصراع أما البطل فتكون له الهيمنة علي مجموع العمل المسرحي الذي يتميز الصراع بوضوحه مع الخصم والقوي المعادية لقد أنجب عصر العقلانية رجالا أفذاذاً ابتدعوا الواقعية أولهم ابسن.

ولقد جاءت الواقعية ثورة علي الرومانسية والعاطفية ، فهي نتاج العصر العلمي المتمثل في القرن التاسع عشر ومع تقدم علوم التطور وعلم النفس وتحدياتهما للتصورات الثيولوجية (الدينية) نشأ لون جديد من الدراما أكثر صلة بالتغير الاجتماعي ،إن الواقعية تنتهج أسلوباً علمياً عند تناولها لمظاهر الحياة المختلفة .

عن الشخصيات في الواقعية فصداها النفسي يظهر بوضوح وهي في الغالب تأتي بفعل الترتيب الذي يقوم بتنسيقه المؤلف دون ان يغفل رغبات الشخصيات ذاتها وعلي سبيل المثال :نورا في بيت الدمية لابسن لا تستسلم وتقرر الرحيل.

والصراع الذي تدور حوله الشخصيات يتمركز حول وقائع الحياة، صحيح ان الواقعية تتعامل مع ظروف غير عادية من وقت لآخر لكن مشاكل المسرحية ذاتها لابد ان يكون اتصالها مباشرا بالحياة اليومية.

وفي اخراج الواقعية يجب ان يكون المخرج علي وعي تام بأنه يتعامل مع مادة مختارة الي حد ما وقابلة للترتيب بالمقارنة الي مواد الطبيعية والمسرحية الواقعية في النهاية تحكي قصة وبهذا يتعامل المخرج مع مضمون هذه المسرحية.

وفي اخراج البناء الحركي للمسرحية الواقعية يجب ان نتذكر ان الحائط الرابع موجود وإن كان أقل صرامة منه في المسرحية الطبيعية وان حركة الممثلين تكون محدودة مع قدر من الحرية علي خلاف ما يحدث في المسرحية الطبيعية.

وعلي الرغم من ان الواقعية أقل ذاتية من الطبيعية فان الفرق هنا في الدرجة ولهذا يجب ان يوجه الممثلون نحو الأداء القائم علي الاستبطان الداخلي ولهذا يعتمد مثل هذا الأداء علي ابتكار الشكل المسرحي المفصل والأداء المعبر الذي يتشابه والأداء في الطبيعية.

مناظر الواقعية يمكن ان تكون شديدة الاختيار واكثر مطابقة لواقع معين وتكون معبرة عن ذلك الواقع.

من أهم رواد هذا الاتجاه :

- جورج الثاني أو (ساكس ميننجن) كما يعرفه رجال المسرح .

- قنسطنتين ستانسلافسكي

الإخراج المسرحي واتجاهاته الفنية

ارتبط الإخراج المسرحي في بداية الأمر بالمؤلف المسرحي الذي كان يبدع النص ويرفقه بمجموعة من الإرشادات والنصائح والتوجيهات الإخراجية التي توجه الممثلين وتقدم لهم مجموعة من الملاحظات التي قد تنفعهم في التشخيص والأداء والنطق والتحرك فوق الخشبة، وهذا الأمر كان سائداً في المسرح اليوناني والمسرح الروماني والمسارح الغربية وخاصة مسرح شكسبير الذي طُعم بالكثير من هذه التوجيهات الإخراجية. وبعد ذلك، انتقلت مهمة الإخراج إلى أبرز عضو في الفريق وأحسن ممثل له تأثير كبير في إدارة الفرقة وتسييرها.

ومع امتداد القرن العشرين، سيكون المخرج ممثلاً فناناً ومعلماً مدرباً ومديراً إدارياً يتولى الإشراف على المسرح الذي يشتغل فيه موجهاً للممثلين وباحثاً عن أحدث التجارب المسرحية نظرياً وتطبيقياً.

ولم يظهر المخرج المسرحي إلا في منتصف القرن التاسع عشر، وسيقترن اسمه بالريجيسور Régisseur ، مع العلم أن مصطلح الإخراج كان متداولاً منذ العشرينيات من هذا القرن. أما أول مخرج في تاريخ المسرح الغربي فكان الدوق جورج الثاني حاكم مقاطعة ساكس ميننجن منذ أن قدم أول عمله الإخراجي سنة 1874م، فحاول بذلك تطوير المسرح الحديث على أسس إخراجية جديدة.

إذاً ماهي أهم المدارس الفنية التي تبناها الإخراج المسرحي الغربي في مسيرته الإبداعية ؟ وماهي أهم المناهج الفنية والتقنية التي أعتمد عليها هذا الإخراج المسرحي؟

أ‌- الاتجاه الواقعي في الإخراج المسرحي:

1- ساكس ميننجن ودقة الواقعية التاريخية:

يعد ساكس ميننجن أول مخرج في تاريخ المسرح الغربي، وقد ساهم في إنتاج الصورة المسرحية التشكيلية ذات البعد الجمالي التي تشمل كل عمليات العرض المسرحي. وقد ثار ميننجن على مقومات المسرح التقليدي والنظم البالية وفكرة النجومية، واستبدلها بالأسلوب الجماعي في العمل وتنويع المستويات فوق الخشبة تفادياً للرتابة التي تطرحها الخشبة ذات المستوى الواحد. وطبق كذلك نظام الصرامة والانضباط في تدريب الممثلين وتوجيه أعضاء فرقته وبالتالي أوجد نظام الممثل البديل وحركة المجاميع التي تقوم على ممثل بارز يقوم بتأطير مجموعة من أتباعه، وكان لساكس ميننجن تأثير كبير على الكثير من المخرجين الغربيين وخاصة الروسي ستانسلافسكي، والألماني راينهاردت، والبريطاني إرفنج.

ويمتاز ماكس ميننجن بالدقة التاريخية والأصالة الواقعية في التعبير المسرحي، ولاسيما في مسرحيته التاريخية" يوليوس قيصر" التي حاكى فيها القالب التاريخي الروماني على مستوى السينوغرافيا والديكور والإكسسوارات.

ب- الاتجاه الطبيعي في الإخراج المسرحي:

2- أندريه أنطوان بين الطبيعية ونظرية الجدار الرابع:

يمتاز أندريه أنطوان( 1858-1943) صاحب المسرح الحر بالواقعية الفوتوغرافية في المسرح الحديث متأثرا في ذلك بالمذهب الطبيعي لدى إميل زولا . إذ كان ينقل أندريه أنطوان تفاصيل الحياة الواقعية الطبيعية إلى خشبة المسرح بشكل حرفي ( مسرح طبق الأصل)، وهو كذلك صاحب نظرية الجدار الرابع التي تنص على احترام علاقة الممثل بالمتفرج من أجل خلق مسرح الإيهام.

ج- الواقعية السيكولوجية:

3- قنسطنطين ستانسلافسكي والواقعية الداخلية في التمثيل:

اعتمد قنسطنطين ستانسلافسكي المخرج الروسي الكبير في تدريبه على الجوانب النظرية والجوانب التطبيقية، وكان يوفق في منهجه بين المقاربة الواقعية والبعد السيكولوجي. و كان ستانسلافسكي يستهل دروسه اليومية بكتابة الأهداف والنظريات والتوجيهات عند مداخل أبواب مسرحه الذي يقع في وسط موسكو لتكون بمثابة مداخل أساسية وأهداف إجرائية للتدريب والتمثيل.

وكان ستناسلافسكي يحث ممثليه على الصدق والإيمان والتفاعل مع الدور ومعايشته عن قرب والاندماج في الشخصية ونقل الحياة الواقعية إلى الخشبة وفهم الشخصية فهما دلاليا ونفسيا.

وقد إعتمد ستانسلافسكي على مسرحيات تشيكوف وإبسن ودويستفسكي في التمثيل و التدريب. وكانت المسرحية تُقرأ على الممثلين قراءة حرفية ثم تشرح لغويا ودلاليا، وبعد ذلك تحدد مقاصدها السياقية المباشرة وغير المباشرة.

وبعد الانتهاء من عملية القراءة، تُقسم المسرحية إلى أهداف عامة وخاصة وجزئية بطريقة سلوكية تعتمد على الأهداف الإجرائية. وينطلق الممثلون في قراءة أدوارهم المسرحية ودراستها وتقسيمها إلى أفكار وأهداف أدائية قصد فهم الفكرة العامة. وتأتي فرصة التدريب على الدور من خلال الإسقاط النفسي الطبيعي والاعتماد على الذاكرة الانفعالية الطبيعية واستحضار التجربة الشخصية عبر المشابهة واستقطار الذاكرة وتهييج الانفعالات مع الابتعاد عن التوتر النفسي وتعويضه بالتركيز والانتباه.

هذا، ويستعين المخرج في تدريبه بأسلوب الافتراضات والاحتمالات الشرطية أو السلوكية معتمداً على طريقتي" لو" و" إذا" وذلك لفهم المواقف وتشخيص السياقات الأدائية ومعرفة الدور جيداً والتغلغل في أعماق الشخصية.

ويلتجئ الممثل عند الممارسة إلى الارتخاء العضلي وممارسة مجموعة من الحركات الرياضية والعلوم والفنون المساعدة كالموسيقي والباليه والرقص .

وينتقل الممثل من التأمل العقلي لدوره إلى الجمع بين الكلمة والحركة والتشخيص الواقعي الحي، ولابد من الارتجال في عملية التمثيل من أجل إتقان الدور ومعايشته.

ويعد ستانسلافسكي أول مخرج أعاد إحياء تقنية الارتجال إلى الخشبة بعد أن استخدمتها الكوميديا دي لارتي الإيطالية في القرن السادس عشر الميلادي.

و كان الممثلون ينتقلون إلى الأماكن التي لها علاقة بالدور المسرحي، أو ينتقلون إلى بعضهم البعض داخل المنازل لمعرفة الظروف الشخصية والنفسية التي يمر منها كل ممثل والتي قد تؤثر سلباً على الدور التمثيلي فوق خشبة المسرح من أجل الحفاظ على الانسجام النفسي والاجتماعي بين أعضاء الفرقة.

ومن هنا، فستانسلافسكي يعتمد على السيكولوجيا الداخلية في التدريب والعمل على نقل الواقع بصدق ومعايشة حقيقية.

د‌- الاتجاه الواقعي الجديد:

1- ماكس راينهارت والانتقاء المنهجي:

يعد المخرج ماكس راينهاردت Max Rienhardat من المخرجين الألمان البارزين الذي إنزاحوا عن النمط الواقعي المباشر، وقد تمثل في إخراجه المسرحي خصائص الواقعية الجديدة أو الحرفية الميكانيكية الجديدة. وقد إقترن راينهاردت بالتمثيل وإدارة الممثلين ، وعرف كذلك بأسلوب الاستعراض المسرحي لذلك لقب بسلطان الإستعراض الكبير. وقد جرب رينهاردت عدة أساليب وأشكال مسرحية؛ مما جعل طريقته تعتمد على الانتقاء والتوليف بين المناهج الإخراجية.

2- جاك كوبوه والتمثيل الصامت:

يعد جاك كوپوه Jacquesم Copeau من أهم المخرجين الفرنسيين الذين نهجوا منهج الاعتدال والتعقل في مجابهة الواقعية التفصيلية. وقد دخل عالم المسرح من باب الصحافة وعتبة النقد الأدبي، وكان إخراجه يعتمد على النطق السليم الواضح والتمثيل الصامت المعبر والاشتغال على الفضاء الفارغ على مستوى الديكور والسينوغرافيا.

هــ - الاتجاه الشكلاني أو الاتجاه المضاد للواقعية:

1- فسفولد ميرهولد والبيوميكانيكية:

يعتبر فسفولد مايرهولد Vsevelod Mierhold من أبرز تلامذة ستانسلافسكي المتميزين في مجال التأطير والإخراج، إلا أنه كان شكلانيا مضادا للواقعية رافضا للدعاية الماركسية والالتزام الاشتراكي وربط الفن بالواقع ، وكان على العكس يربط الفن بالفن وينفتح على الدراسات الشكلانية والمناحي البنيوية في التعامل مع الظواهر الفنية والدرامية.

وقد أقام مايرهولد مسرحه على تدريب الممثل تدريباً شكلانياً آلياً معتمداً في ذلك على البيوميكانيك أو الميكانيكا الحيوية ودراسة جسم الإنسان وقوانين الحركة والفراغ.

و- الاتجاه التجريدي:

2- ألكسندر تايروف والسينوغرافيا التجريدية:

اقترن اسم ألكسندر تايروف Alexander Tairov بالسينوغرافيا التجريدية. وجعل تايروف ممثليه يستخدمون ماكياجاً غريباً لا يشبهون به أحداً في الواقع، وبهذا يصبحون أشخاصا منفردين في عيون المتفرجين في أزيائهم الغريبة الفانتاستيكية. ومن ثم، يكثرون من الألعاب البهلوانية والماكياج الساخر والشقلبة التهريجية والتشخيص الكاريكاتوري الهزلي.

ز- الاتجاه التسجيلي أو الاتجاه السياسي الوثائقي:

2- إرفين بسكاتور والمسرح السياسي:

ساهم كل من إرفين بيسكاتور Erwin Piscator وبيتر فايس Weise وجنتر جراس وكيبارد وفالذر وبريخت والمخرجين الآخرين في تأسيس المسرح السياسي أو ما يسمى بالمسرح التسجيلي أو المسرح الوثائقي.

هذا، وقد استفاد بيسكاتور من السينما في خلق مسرحه الوثائقي، عن طريق عدم استخدام الآلات المعقدة الثمينة في مسرحه الشعبي الجماهيري، والاستعانة بالشعارات واللافتات السياسية والحزبية، وتشغيل الأنوار الكاشفة التي تكتسح المسرح جيئة وذهابا ، مع توظيف مكبرات الصوت وآلالات الضجيج. ويتحول الممثل عند بيسكاتور إلى رجل آلي روبوتوكي بنيوي.

ن- الاتجاه السريالي العصبي في الإخراج المسرحي:

1- ليوبولد جسنر والعصبية الجنونية:

يعد ليوبولد جسنر Leopold Jessner من المخرجين الألمان الذين استندوا إلى طريقة الجنون العصبي في إخراج مسرحياته التي يندفع فيها الممثلون بشكل جنوني سريع في حالة متوترة مريعة وغريبة كأنهم مجرمون مطاردون، وبعد ذلك يتوقف هؤلاء الممثلون في مكان معين دلالة على حمقهم وخبلهم العصبي.

ويلاحظ أن المسرحيات التي كان يخرجها جسنر تؤدى بسرعة جنونية. ويعني هذا أن شخصيات مسرحه شخصيات مخبولة شاذة هائجة مريضة نفسيا تعاني من التوتر النفسي والصراع العصبي، وتعاني من الهذيان السريالي والاغتراب الذاتي والمكاني. ومن هنا، كانت مسرحياته تستند إلى الجنون والا عقل والا وعي في تحبيك الأدوار الدرامية وتأزيمها.

ويبدو أن هذا النوع من المسرح كان ثورة ضد المسرح الواقعي الذي كان يوجه إلى البرجوازية، ليستبدل بعد ذلك بمسرح شعبي جماهيري مع مجموعة من المخرجين الوثائقيين والسرياليين في روسيا الاشتراكية وألمانيا الشرقية.

س- الاتجاه الفني:

1- إدوارد جوردون كريج والمنهج الانتقائي في المسرح:

يتبنى إدوارد جوردون كريج Edward Gordon Craig المخرج الإنجليزي الثوري منهجا انتقائيا في إخراجه المسرحي مركزاً على الفرجة الجمالية الفنية التي تعتمد على الحدث والكلمات والخط واللون والإيقاع. وبالتالي،يعطي أهمية كبيرة لما هو حركي على ما هو منطوق. وزيادة على ذلك ،يرتبط اسمه بالمسرح الشامل أو بالمنهج الانتقائي في تجريب جميع النظريات المسرحية والإخراجية السائدة في الساحة الفنية سواء أكانت قديمة أم جديدة. وكان كريج يعتمد في إخراجه المسرحي على الجمالية المشهدية ، وفضاء الفراغ (على غرار جاك كوبوه)، والأنظمة الضوئية الملونة . واهتم كذلك بالتصاميم والسينوغرافية التشكيلية. كما استدعى في أعماله الدرامية ذات البعد الفني والجمالي المسرح الشرقي والمسرح القديم، ورفض الواقعية التفصيلية وعوضها بالفن البصري وتشكيل الصورة المسرحية الدرامية، وثار في نفس الوقت على الممثل المدير. واعتبر كريج الممثل بمثابة ماريونيت يمكن التحكم فيها كما يشاء المخرج.

وعلى أي حال، يعرف كريج في تاريخ المسرح الحديث والمعاصر بكونه مخرجا دراماتورجيا مجتهدا يتعامل مع روح النصوص ويخرجها من منطلقات خاصة.

2- أدولف آبيا والمنظور الثوري للإضاءة:

اهتم أدولف آبيا Adolph Appia المخرج السويسري بالإضاءة المسرحية بعد أن اكتشف الكهرباء من قبل توماس أديسون في أواخر القرن التاسع عشر. وقد اعترض آبيا على الفضاءات المسطحة المتعادلة الناتجة عن استخدام الإضاءة الأرضية وتعويضها بالإضاءة المتموجة ذات الظلال الشاعرية غير المركزة أو الإضاءة العامة. وقد اهتم بالسينوغرافيا التجريدية كما يظهر ذلك واضحا في مسرحية " فاوست" لجوته، وبالإيقاع البصري والجسدي الوظيفي المتناغم مع كل مكونات العمل المسرحي..

ع- الاتجـــاه التجريبي:

1- بتواف والاقتصاد في السينوغرافيا:

يعد بيتواف من أهم المخرجين التجريبيين في المسرح الحديث والمعاصر إلى جانب لويس جوڤيه، وأريان مينوشكين صاحبة " مسرح الشمس"، وتشارلز ديلان Charles Dullin ، وگاستون باتي Gaston Baty، وفيودوركوميسارجفسكي Komissargevski، وإڤرينوڤ Evrinov ، ويوجين فاكتانجوڤ Vakhtangov ، وبيتر بروك Peter Prook،وجرزي گروتوفسكي صاحب نظرية "المسرح الفقير" gerzi Grotowski ، وجوليان بيك Julian Bec ، وآخرين .

ويعتبر بيتواف مخرجاً تجريبياً متميزاً في أعماله الدرامية التي أخرجها للجمهور. فكان يلتجئ في عرض فرجاته الدرامية إلى الاقتصاد في السينوغرافيا نظراً لحاجته إلى الإمكانيات المادية والمالية؛ مما يدفعه الأمر إلى تشغيل الديكور الفقير واستخدام السينوغرافيا المقتصدة واستعمال أساليب مبتكرة في الإخراج الدرامي.

وقد عرف بيتواف أيضا بتوقيف الأحداث المسرحية بطريقة مؤقتة عند مشهد معين للتركيز عليه بطريقة فوتوغرافية مستخدما في ذلك تقنية الوقفة la pause الإخراجية

هذه نظرة موجزة ومختصرة حول الإخراج المسرحي واتجاهاته الفنية وتياراته التجريبية ومناهجه التقنية. فقد توصلنا عبر هذا العرض البسيط إلى أن المخرجين الغربيين كانوا ينطلقون في تصوراتهم المسرحية والإخراجية من منطلقات فلسفية واتجاهات فنية ومرجعيات إيديولوجية أثرت أيما تأثر على أدواتهم الدرامية وتقنيات التشخيص وآليات الإخراج ومكونات السينوغرافيا البصرية والتشكيل الفني الجمالي.

و يمكن الحديث عن مجموعة من المدارس والحركات والمناهج الفنية التي تمثلها المخرجون الغربيون في الفترة الحديثة والمعاصرة في مجال الإخراج المسرحي وإعداد الممثل الدرامي نذكر منها: المدرسة الواقعية والمدرسة الطبيعية والمدرسة التاريخية والمدرسة الواقعية السيكولوجية والمدرسة السريالية والمدرسة التجريبية والمدرسة التجريدية والمدرسة الشكلانية والمدرسة الفنية ذات الطابع الجمالي والمدرسة الوثائقية.

جميع الحقوق محفوظة لمدونة بقلمي

شاهد تعليقات: أو

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

Copyright © 2016. بقلمي -جميع الحقوق محفوظة