الرئيسية » , » المذاهب المسرحية (4)

المذاهب المسرحية (4)

بقلم Unknown الأحد، 26 يونيو 2016 | 11:51:00 م

المذاهب المسرحية
4- المذهب الطبيعي
لقد أراد بعض الكتاب الطبيعيون أن يصفوا لنا عالم بأسره فلم يستطيعوا أن يصفوا سوى مستشفى كل ما يحتويه هو أناس مجانين أو ناقصو العقل أو منحرفون ، وقد حدث هذا في المسرح حينما أصابته ريح المذهب الطبيعي ، لقد كان ابسن جبار المذهب الواقعي في المسرح وهو الذي كتب بعض مسرحيات اصطبغت بعض معالم المذهب الطبيعي إلا أنها لم تنزل إلى مستوى حضيض المسرحيات الطبيعية كما فعل تلاميذه الذين تتلمذوا على زولا وكذلك على الكاتب السويدي أوجست مترندبرج .
إنه لمن المؤلم أن يؤدي هذا المذهب الطبيعي مذاهب الأدب بجميع أربابه إلى الدمار الخلقي والصحي ، ولعل السبب في ذلك هو إلتزام المذهب الطبيعي بالصدق في تسجيل مجريات الحياة والمبالغة في التزام ذلك ، دون أن يعمل الأدباء حسابا إلى العواطف المكتوبة التي تنفجر بالإطلاع المكشوف على ما يجمل به أن يختفي ويستتر من موبقات العالم الجنسي ، والذي يدهشنا أن المذهب الطبيعي لم يجتذب نحوه سوى ضعاف العقول والبنية من الأدباء وكذلك المفكرين المرضى والعليلين .
لقد حاول بعض الأدباء أن يتلمذوا على ابسن ، وحاولوا أن يقلدوا طريقته في الحوار وأسلوبه الموضوعي في تصوير الشخصيات لكنهم فشلوا ، ولعل السبب في فشلهم هو أن أسلوب ابسن في تصوير شخصياته أسلوب تحليلي ينتهي دائما إلى تعقيد القواعد وتقنين القوانين ……. هذا ليس أسلوب المذهب الطبيعي والطبيعيين ، لأن الطبيعيين من أسمهم نستدل على أنهم لا يعنون بالقواعد والقوانين في تصوير شخصياتهم ، فهم إنما ينقلون لنا من الحياة صورة طبيعية صادقة ، طليقة من القوانين متحللة من القواعد ، غير مقيدة بالآداب والشرائع ، فمسرحيات الطبيعيين تضع الشخصيات بين المشاهد عارية سافرة ، كأنها مقاطع طويلة وعريضة لهضبة من الهضاب أو سهل من السهول . هذا وينحصر عملهم على إعطائك صورة لهذا المقطع ، أما ما وراء هذا فمتروك لك أنت وحدك تستنتج مما ترى ما يحلو لك من أفكار وآراء ونظريات على هدى ما ترى من طبقات ذلك المقطع .
إن الطبيعيون من رجال المسرح قد ساروا على نهج زولا وأصحابه من قصر نشاطهم على تصوير حياة الطبقة الدنيا ، ونقل ما تزخر به تلك الحياة إلى المسرح ليراه الناس على حقيقته ، ولا ندري ما الذي جعل أولئك الطبيعيين يقصرون نشاطهم على تصوير تلك الطبقة على ما قصره علية زولا وأصحابه …. وبالأحرى كل ما يشين تلك الطبقة من سقوط وتهافت أخلاقي وشذوذ وضعة ، ولؤم ودنس وحب بهيمي …. فهل هم فعلوا ذلك لمجرد أنهم قلدوا زولا ؟ …. أو فعلوه لأنهم كانوا يؤمنون أن الذي يكشف النفس الإنسانية على حقيقتها كشفا تاما هو تصويرها وهي غارقة في حمأة الرذيلة ، دون أن يكسوها بما تكسوها به الفضائل من أثواب النفاق والياء ، كأنه في نظرهم تلك الفضائل نفاق مصطنع ورياء مجلوب ، اخترعته الحضارة وتوسلت به الإنسانية في أطوار ضعفها لتجعله سلاحا للضعفاء يقيهم شرة الأقوياء ؟
لقد صرح الطبيعيون أن هدفهم هو أن يضعوا الناس أمام الحقيقة التي خلقوا عليها لا لبس فيها ولا غموض ولا تعميه ، وصرحوا أن غرضهم من تصوير الناس على هذا النحو هو أن يفهم المصلحون حقيقة النفس الإنسانية قبل أن يحاولوا إصلاحها ، فالطبيب النطاسي هو الذي يتحسس مواضع الداء ويتعرف أسبابه والأصل الذي عنه نشأ ، بطبيعي الحال ما دامت المسألة مسألة تشخيص لأمراض النفس الإنسانية فليس يهم الطبيعيين من هذه النفس إلا أمراضها ، والعجيب أن زولا - أمير القصة الطبيعية في الأدب الفرنسي - أدرك ما للمسرح من خطر في هذا الميدان ، فحاول أن يغزوه بتمثيله من النوع الطبيعي اسمها " تيريزراكان " ففشل ، وفشلي تمثيليته …. ومن ثمة عاد إلى القصة وقصر نشاطه عليها .
إن الذي فشل فيه زولا نجح فيه تولستوى ( 1828 - 1910 ) الروسي العظيم ، فقد كان طبيعيا إلى حد بعيد في تمثيلية " سلطان الظلام " حيث صور في هذه التمثيلية قوة تأثير البيئة وتحكمها على الفرد ، ولقد تجنب تولستوى الوقوع في الخطأ الذي وقع فيه زولا ، ولعلة حينما جنب نفسه الوقوع فيه ، قد وقف مثل ابسن في أعلى درجات السلم الواقعي وفي أول درجات السلم الطبيعي .
 
جميع الحقوق محفوظة لمدونة بقلمي
شاهد تعليقات: أو

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

Copyright © 2016. بقلمي -جميع الحقوق محفوظة