الرئيسية » » جنون (قصة قصيرة)

جنون (قصة قصيرة)

بقلم Unknown السبت، 24 مايو 2014 | 1:20:00 ص

جنون
كنت أسير في أحد شوارع العاصمة ليلا، أنظر إلى الوجوه حولي ولكني لا أرى ملامحها جيدا، مررت أثناء سيري بحديقة من تلك الحدائق الصغيرة التي جعلوها لاستراحة الماره، حدثتني نفسي أن أستريح قليلا – خاصة أنني قد سرت لمسافات طويلة – دخلت إلى الحديقة التي كانت وسط الصخب الشديد فلا شبه بينها وبين ما أتمنى إلا الحشائش الخضراء، وتلك الشجيرات الصغيرة المتناثرة في أرجائها، جلست على أول مقعد حجري وجدته، تذكرت يوم كنا نجلس هنا سويا منذ أعوام، وكانت هذه الحديقة وقتها أهدأ كثيرا منها الآن ... ثم وبعد دقائق معدودات رأيتك تدخلين إلى الحديقة، لحظتها صمتت الأصوات فجأة ولم يتبق سوى صوت عصفور يغرد بصوت عذب شديد الصفاء، لم أستطع أن أقف لاستقبلكِ، فجزء من عقلي لا يصدق ما تراه عيني ... وبعد أن جلستِ إلى جواري وشعرت بأنفاسكِ اللاهثة تخرج باردة تصافح وجهي عندما اقتربتِ مني، لحظتها فقط أيقنت أنكِ حقيقة ... أو ربما خيال تجسد في لحظة إعجازية لا تتكرر ألا معنا ... أو ربما يكون جنونا، ولكنكِ لم تتركيني أغرق في شططي كثيرا وطبعتِ قبلة حانية على صفحة خدي دون أن تنطقين، ثم التقت عينانا فأحسست بالخدر يتسلل إلى أوصالي، وارتفع صوت العصفور الصدّاح كثيرا، واستسلمنا لصمتنا الذي يحكي كل ما مر طوال سنوات عجاف ... كأننا من كثرة ما نريد قوله لم نستطيع صياغته كلمات، ظننت للحظات أنني قد فقدت عقلي تماما، فلا يمكن ن تتحقق الأحلام هكذا فجأة، ولكني أحببت هذا الجنون وتمنيت أن يطول جنوننا ونطير سويا بجناحين ... نحلق فوق آلامنا التي جاوزت احتمال البشر، ظل الصمت هو سيد الموقف حتى اخترقه دمعتان حائرتان انحدرتا من مقلتيكِ، جزعت لسقوطهما، وأسرعت أتلقفهما قبل أن يتركا صفحة خديكِ، أطبقت جفنيك لتحدين من تدفق شلال قادم لا محالة من كنزكِ المخبأ في عينيكِ، لم أحتمل واحتضنت يداي وجهكِ ورفعت رأسكِ الذي حاولتِ أن تخفضيه لتمحين خطأ تكفير عيناكِ عن زمان ضاع دون أن تكونين سببا لضياعه، ونظرتُ طويلا أستحث عيناكِ أن تتحدثا كثيرا حتى ترفع العبء عن قلبكِ الذي أسمع خفقان أجنحة طيرانه، ظل هذا المشهد متجمدا للحظات، أو ربما لدقائق أو ساعات لا أدري، فلقد فقدتُ الإحساس بالزمن ساعتها ... وتمنيت أن لا تنتهي هذه اللحظة أبدا ... وأن نخرج من تلك الحديقة إلى حيث نحيا ما تبقى من عمرنا في جزيرتنا التي لا يعلم حدودها ولا تضاريسها إلا نحن، أنا وأنتِ فقط ... وليتجرع من سجن روحينا مذلة الفراق الاختياري، فالكل قد فارقنا منذ زمن طويل ... منذ أن قررنا أن نكون كيانا واحدا
Ahmed Negmeldeen
شاهد تعليقات: أو

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 

Copyright © 2016. بقلمي -جميع الحقوق محفوظة